احتضنت دار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة مساء امس الخميس احتفالية شعرية كبيرة كرمت خلالها وزارة الثقافة والمحافظة على التراث الشاعر التونسي جمال الصليعي، فكانت بانوراما فنية حضر فيها الشعر والايقاع الشجي واللوحات الراقصة المتناغمة مع روح القصيدة والاشعار، كما حضرها جمهور غفير غص به الفضاء ،قدم قبل بداية الاحتفالية بنحو ساعتين ، ساسة ومثقفون وشعراء واعلاميون ومغرمون بتجربة شعرية عذراء نظم ابياتها الصليعي على مدى ثلث قرن.
هي مشهدية احتفالية، من تصور الشاعر المحتفى به جمال الصليعي والشاعر خالد الوغلاني وكوريغرافيا وليد الخضراوي واخراج المسرحي حافظ خليفة، الغاية منها ليس الاحتفاء بالشاعر الصليعي فقط ،بل هي نبش فى تجربة شعرية متفردة لشاعر وصفه الروائي والدكتور نور الدين العلوي « بالشاعر العذري »، وهي، وفق المنظمين، محاولة لمساءلة الانسان من خلال كل المحطات الهامة التي مر بها الشاعر وهمومه امام عصره وعالمه بأشكال شعرية تتراوح بين اللهجة الدارجة والعربية الفصحى، بشكل درامي متفرد وبلغة شعرية واداء جسدي تجريبي معاصر.
جلس الشاعر جمال الصليعي فى احدى زوايا الركح نحو ساعة ونيف، يعاند مرضه ويغالب اوجاعه ،ملبيا نداء جمهوره الذي اتى ليقاسمه لذة الكشف عن تجربته الشعرية المتفردة، قرأ الصليعي بصوته القوي الذي عود به احباءه، تتالت القراءات واللوحات الراقصة وغذت الموسيقى المصاحبة الهادئة احيانا والصاخبة احيانا اخرى، في الحاضرين روح البحث فى ثنايا هذه التجربة الثرية ومعايشتها من مصدرها ، لم يثن المرض جمال الصليعي ولم يأخذ منه التعب، وقف شامخا لجمهوره اكثر من مرة اجلالا واحتراما وبادله الحضور نفس الشعور، غلبته دموعه مرات لكنه ابى التوقف عن القراءة وفضل مواصلة الملحمة احترما لجمهوره الذي اتى ليشد ازره وقد قطع بعضه مسافات طويلة قادما من موطنه دوز.
وقرأ الصليعي بالمناسبة باقة من اجمل ما نظم، نطق وانطق شعره الذي كتبه للانسان والحب والمرأة والحياة والحرية، كما تغنى بالوطن ببعديه القطري والاقليمي وبالعروبة وبسنوات المجد الضائعة، انشد للصحراء والبادية وارث الاجداد، انتقد الراهن والمعيش وشاكس المثقفين والنخب في اكثر من بيت وقصيدة لعل اشهرها قصيدة « ابليس » والتي قال فيها:
« ابليس، غادر ارضنا متحسرا
سئم البطالة واكتأب
ماذا سيصنع في البلاد
خرابها، لم يستطع
قدرت على ذلك النخب ».
حفل التكريم افتتحته وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث سنية مبارك التي حيت في كلمة بالمناسبة الشاعر جمال الصليعي قائلة » اننا نحتفي اليوم بتجربة شعرية وانسانية ثرية لم تجد الورود في طريقها ولم يحض فيها بدعم اخر غير العمل والموهبة ومع ذلك كان صامدا بحرفه حيا بصوته صادحا بأفكاره ».
واضافت » انه قائد مسيرة الكلمة الاصيلة المتحررة من الاستبداد المنحازة لقضايا امة بأكملها المنغرسة في ثقافتها الاصيلة بأعمق ما يكون التجذر، ولا عجب ان يكون هذا الفتى الجنوبي العربي الاصيل القادم من عمق الصحراء … شغوفا بالمعرفة متميزا فيها قريبا من منابعها الصافية ».
