باحثون اجتماعيون تونسيون وفلسطينيون يحللون نتائج حرب غزة

أكد مفكرون وباحثون تونسيون وفلسطينيون مختصون في مجال العلوم الإجتماعية والسياسية خلال مائدة مستديرة نظمها المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات بتونس أن "حرب غزة" فتحت المجال الى حقل مفاهيمي "باراديغمي جديد" يعطي مكانة للمقاومة ويمكن أن ينتج معارف تغير واقعا دوليا هيمنيا وقادت الى إعادة النظر في "مفهوم الكونية " المبني على السيطرة الغربية والصهيونية والى اعترافات جديدة بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة.
وأكد الدكتور مهدي مبروك مدير المركز العربي لأبحاث ودراسات السياسات في افتتاح المائدة المستديرة تحت عنوان " حرب الإبادة على غزة... المعرفة، الصورة وسياسات الموت" بمناسبة الذكرى الثانية للحرب الصهيونية على غزة بعد هجوم المقاومة الفلسطينية على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 أن تطورات هذه الحرب "شكلت لحظة فارقة في التفكير العربي" و"حدثا سيغير وعينا بذواتنا وبالآخرين".
ويتفق الدكاترة الباحثون في الجامعة التونسية والمشاركون في المائدة المستديرة وهم محسن البوعزيزي وهاني مبارك وفؤاد غربالي وإبراهيم الرفاعي حول درجة العنف القصوى والتحدي الكبير الذي مارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ودول منطقة الشرق الأوسط خلال الحرب على غزة وحول "التساؤلات الوجودية والفكرية" المثارة بسبب هذه الحرب المتواصلة والمهددة للكيان البشري باعتبار سعي الكيان الصهيوني الى افتكاك الأرض والتهجير بعد ممارسة "حرب الإبادة".
ويطرح الدكتور في علم الإجتماع بالجامعة التونسية محسن البوعزيزي تساؤلا حول إمكانية أن يشكل "الطوفان تحولا براديمغميا لإسبستيمية المقاومة" أو تحولا في الحقل النظري المعرفي الأساسي بجعل من "فلسطين بوصلة" عالمية للأفكار والأفعال المناهضة للاحتلال والاستعمار فيشهد العالم بعد ذلك تغييرا على أساس هذه البوصلة لما كان سائدا من مفاهيم و"باراديغمات" تقليدية شكلت "ظلما معرفيا وقمعا معرفيا" إذ أنها أنبنت على أساس أحقية الصهيوني والغربي وريادته للمعارف والعلوم.
وقال محسن البوعزيزي إنه خلال حرب غزة "أصبحت فلسطين قلب الرحى لإنتاج المعرفة الجديدة" بـ"فضل قفزة من القفزات التي ستغير المعرفة" ويكون الهدف هو تحرير العالم من الهيمنة والاستعمار ونفي الآخر بالرجوع الى الماضي لأن المقاومة شدت اهتمام الباحثين في علم السياسة وعلم الإجتماع منذ عقود باهتمامها بحركات التحرر من الاستعمار (الستينيات والسبعينيات خاصة) وبما أن البحوث شهدت انشغالا عنها بمسائل ومفاهيم أخرى عادت مؤخرا لتقف أمام "الفلسطنة" كمنطلق ل"تحرير العالم".
لقد بدت المعرفة الغربية "معرفة حاملة للسلاح" بالتحالف الغربي الإسرائيلي خلال حرب غزة والشرق الأوسط عامة وواجهت عوامل التغيير المعرفي الناتجة عن هذه حرب غزة و"استعادت الفكر المناهض للكولونيالية" (الإستعمار) وهذا "يفترض تحولا نحو معرفة جديدة تنصت للألم وتتحث عنه" وهو ما يعني "افتكاك السردية" من يد الاحتلال وأنصاره في مراكز القرار والعلم "والتحكم فيها" او "افتكاك السردية من الظالم" لتبرز "سردية الضحية" حسب تحليل محسن البوعزيزي.
ويشير الباحث إلى أن الفن والصورة واللغة الجمالية ومشاهد الحداد والطوارئ والبلاغة المصاحبة، فضحت العالم "التوحش الإسرائيلي" ومكنت "الإستعارة الفلسطينية المقاومة" من مواجهة "الإستعارة الإسرائيلية القائلة إن لا وجود لإسرائيل وسط البربرية الفلسطينية" وكانت "التحولات البلاغية" لصالح فلسطين "المتأصلة كشجرة الزيتون والجدة المتعلقة بها".
ومن ناحيته قال الباحث الفلسطيني وأستاذ الإعلام والصحافة بالجامعة التونسية الدكتور هاني مبارك في مداخلة حول "الحرب على غزة وإعادة توزيع مراكز القرار على المستوى الإقليمي" إن "تركيز وسائل الإعلام على حجم الدمار والموت والدم ونقلها له بصورة متواترة كان لافتا" خلال الحرب.
وأضاف أن الكيان الغاصب استغل هذه الحرب لإلغاء الاعتراف الذي حققته القيادة الفلسطينية في السابق بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة وذهب الى القضاء على اتفاقات السلام والاعتراف المتبادل الموقعة في "أسلو" وإلغاء نواة الدولة الفلسطينية المشكلة من قبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وقال إن حرب غزة حولت مركز القرار العربي الى بلدان الخليج التي سعت الى وقف الحرب والبحث عن تسوية.
وطرح الدكتور فؤاد غربالي المختص في العلوم الإجتماعية إشكالية "كيف تعاطت العلوم الإجتماعية في الغرب بعد حدث 7 أكتوبر" وكيف تعاملت مع مقولات الكيان الصهيوني وحلفائه حول "شعوب تستحق الحياة وشعوب أخرى لا تستحق" و"العقلانية والفردية والمشترك الإنساني ومركزية الغرب" باعتبار الغرب "عقل الأنوار" وباعتبار "الأخر البربري" و"اللاعقلاني" في فلسطين والعالم العربي وهي مقولات تستغلها الجماعات الداعمة للاحتلال معرفيا في الغرب.
وقال إن العالم العربي "لايشارك في هذا النقاش المعرفي" بمفاهيم ومنطلقات تخدمه وتدافع عن وجوده منبها الى تحول مفكرين كبار مثل يورغان هابرماس الى الإنحياز الى إسرائيل مقابل رفضه لجائزة عربية وفتح المجال بذلك الى رواج تقييمات وتقديرات حول "من يحق له أن يحيا ومن لا يحق له أن يحيا ومن يستحق التعاطف معه ومن لا يستحق".
وبين أن تعامل الغرب مع 7 أكتوبر 2023 تميز بالانحياز لإسرائيل عند شنها للحرب على غزة معتبرا أن "مفهوم الكونية أصبح مفهوما انتقائيا" وسمح بجريمة الإبادة الجماعية التي مارسها الاحتلال في غزة.
وقال الباحث الفلسطيني إبراهيم الرفاعي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية في إطار تحليل "إشكالية الاعتراف بالدولة الفلسطينية بين الحق والتوظيف" إن الهوية الفلسطينية شهدت عبر الزمن محاولات لمحوها من قبل الكيان الصهيوني وآخر المحاولات تصاعدت بمناسبة حرب غزة التي تحولت الى "حرب إبادة بشراكة غربية".
وقال" إن الحرب خلقت حراكا عالميا مناهضا لها فأدى هذا الحراك الى "سقوط ورقة التوت عن وجه الكيان الصهيوني وظهر وهو يمارس الإبادة وتقطيع الأوصال الجغرافية" وأفضى الحراك الى مزيد من الإعترافات بدولة فلسطين كحق للشعب الفلسطيني حتى وإن كان هذا الإعتراف متفاوتا بين مشروط ولا مشروط حسب اختلاف الدول لكنه سيؤدي الى وقف نهج بنيامين نتانياهو رئيس حكومة الاحتلال في تركيز إسرائيل الكبرى وتصفية القادة الفلسطينيين وخلق نظام شرق أوسطي تسيطر عليه الصهيونية.
وتأسس المركز العربي لأبحاث ودراسات السياسات سنة 2014 ويعمل على دعم البحث العلمي ونشره في مجال العلوم الإجتماعية والسياسية بالتعاون مع الجامعات التونسية وهو مرتبط بمركز مماثل في دولة قطر.