شنغهاي من قرية من الطين الى عاصمة المستقبل الذكي

حين تتجول في مركز '' معارض تخطيط شنغهاي الحضري'' تدرك من الطابق الأول أن كل شيء بدأ من هنا.
من عند مصب نهر هوانغ بو حين رسمت الخريطة الأولى للمدينة بصورة بسيطة.
شنغهاي بعد الحرب العالمية الثانية ( 1946 )
قرية ريفية بأسوار طينية، وحولها الحقول والماء.
شاهدت الخرائط القديمة وقد زرت "المدينة القديمة"، ومشيت في ازقتها الضيقة تحت المطر.
تحسست في خطواتي داخل المدينة الخطوات الأولى للفرنسيين والإنڨليز الذين تركوا بصمتهم هنا.
التحول الأول: التخطيط العمراني الرسمي (1959 )
بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، تم لأول مرة اعتماد مخطط واضح: المناطق الصناعية باللون البني الداكن، والمخازن بالبنفسجي، والمساكن بالبني الفاتح، والجامعات بالوردي، والمرافق العمومية بالأخضر.
لكن الطرق لم تكن مرسومة بعد.
اللافت أن أحياء كثيرة ما زالت قائمة إلى اليوم كي تبقى خير شاهد على هذا التراكم الزمني الذي أصبح جزء من هوية هذا الشعب.
سنة الحسم كانت 1986
الفكرة كانت بسيطة وحاسم، حين تخلت الدولة عن ملكية المصانع لصالح العمال خاصة من لديهم الكفاءة. وُضعت المصانع في متناول يد الموظفين الجادين بسعر رمزي، أصبح هؤلاء ملاكًا جددًا.
النتائج كانت سريعة، الناتج المحلي الإجمالي للمدينة تضاعف بشكل صاروخي: من 8 مليارات دولار في 1986 إلى أكثر من 800 مليار اليوم. وكانت سبب ادخال شنغهاي إلى نادي أقوى مدن العالم اقتصاديًا.
التحول الثاني: نقل الصناعات خارج المدينة
خلال 10 سنوات، أُزيلت أغلب المناطق الصناعية من قلب المدينة. كل شيء تحوّل: المصانع نُقلت إلى الضواحي، ونسبة العمال داخل المدينة انخفضت إلى 2 أو 3% فقط.
اقتصاد جديد: الخدمات بدلاً من الصناعة
الآن، تدور شنغهاي على عجلة اقتصاد جديد: السياحة، التجارة، التمويل والاقتصاد الإبداعي.
وهكذا وُلد مركز مالي ضخم أصبح يؤثر على آسيا كلها، ويراهن على المستقبل الذكي.
نحو 2035: عاصمة بيئية وتكنولوجية
اليوم المدينة لا تتوقف عن إعادة تعريف ذاتها. في المخطط العمراني الجديد، وانت تتجول داخل مركز التخطيط الحضري للمدينة ستجد في الطابق الثالث مستقبل البرنامج أحياء سكنية منظمة، مرافق عمومية منتشرة (مدارس، مكتبات، رياض أطفال)، مناطق خضراء جديدة، محميات طبيعية في الجزر القريبة مثل "تشونغمي" ومناطق صفراء مخصصة للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. هنا تلمس الالتزام الحقيقي بالبيئة و التنمية المستدام.
شنغهاي التي رأيتها
ليست مدينة فقط، بل مختبر سياسي واقتصادي واجتماعي.
تغيّرت من قرية إلى مدينة يقودها الذكاء الاصطناعي. من مركز زراعي وصناعي إلى مركز للتمويل والإبداع.
كل زاوية فيها تجعلك تسأل: كيف استطاعت مدينة واحدة أن تنمو بهذه السرعة؟ كيف جمعت بين الماضي العريق والمستقبل الذكي؟
شنغهاي مدينة يجب أن تكتشفها.
ومازلت رحلة النمو متواصلة.
ضياء الدين الكريفي – الصين.