الدراما العربية في عصر التحوّل الرقمي : معركة البقاء أمام المنصات والذكاء الاصطناعي

الدراما العربية في عصر التحوّل الرقمي : معركة البقاء أمام المنصات والذكاء الاصطناعي

شهدت المدينة المتوسطية بياسمين الحمامات فعاليات الدورة الخامسة والعشرين لمهرجان اتحاد إذاعات الدول العربية.

ضمن هذه الفعاليات انتظمت ندوة حول "صناعة المحتوى الدرامي العربي: من النص إلى المنصة".

 

جمعت الندوة  ممثلي الدول المشاركة  ومسؤولي قطاع الإعلام، وشركات الإنتاج، والسينمائيين، والإعلاميين، والمختصين في مجال الاتصال من مختلف الدول العربية والدولية. 

 

أرقام صادمة تكشف واقع الصناعة الدرامية العربية 

 

 

كشفت  المعطيات المقدمة عن واقع مؤلم للدراما العربية، وتُشير الإحصائيات إلى أن أكثر من:

 

- 80 بالمائة من الأعمال الدرامية العربية لا تُوزع خارج بلد الإنتاج.

 

- هذا القيد الجغرافي يعكس ضعفًا هيكليًا في استراتيجيات الانتشار، حيث يُعد ضعف الاستثمار في الترجمة والدبلجة من أبرز عوامل غلق الأسواق الخارجية أمام هذه الأعمال.

 

-  تُضاف إلى ذلك غلبة اللهجات المحلية وغياب النصوص العابرة ثقافيًا، مما يقيّد قدرة هذه الدراما على الوصول إلى جمهور عالمي متنوع.

 

 

يظهر هذا التحدي بشكل  في ضعف الحضور العربي في المنصات العالمية الكبرى مثل Netflix و Prime Video، مقارنة بدول أمريكا اللاتينية وآسيا التي تمكنت من فرض بصمتها الدرامية عالميًا.

 

 

 

المخرج المغربي هشام الجباري قدم مداخلة مطولة مهمة، دعا فيها إلى تطوير "نصوص عالمية الرؤية" التي تركز على القيم الإنسانية المشتركة بدلًا من الاقتصار على الهوية المحلية الضيقة. 

 

لتحقيق هذا الهدف، اقترح الجباري إحداث صندوق دعم للترجمة والدبلجة بقيمة لا تقل عن 5 ملايين دولار سنويًا، لتمويل أعمال عالية الجودة تمكنها من اختراق الأسواق الأجنبية.

 

كما شدد على ضرورة تدريب ممثلين عرب على الأداء بلغات أجنبية، مما سيسهم في تعزيز قدرتهم على المشاركة في إنتاجات عالمية.

 

وطالب الجباري كذلك بشراكات إنتاجية فعلية مع منصات دولية رائدة مثل BBC، Arte، و Netflix، لضمان وصول المحتوى العربي إلى جمهور أوسع.

 

 

 

تغير عادات المشاهدة مع المنصات الجديدة

 

 

تناول النقاش عن  تغير عادات المشاهدة بيانات وأرقامًا مقلقة. 

واستعرض الدكتور سفيان عكروت، أستاذ الإعلام بجامعة منوبة، حجم التحول الرقمي في المنطقة، مشيرًا إلى أن عدد مستخدمي الإنترنات في الوطن العربي يبلغ 348 مليون مستخدم، وأن نسبة الاستخدام اليومي تصل إلى حوالي 70 بالمائة من سكان العالم العربي.

 

هذه الأرقام تؤكد على القاعدة الجماهيرية الهائلة المتاحة للمحتوى الرقمي.

 

وفيما يتعلق بالدراما، أظهرت البيانات أن نسبة الشباب الذين يتابعون الدراما عبر المنصات الرقمية تصل إلى 53 بالمائة. هذا يشير إلى تحول كبير في تفضيلات الجمهور، حيث زادت نسبة المشاهدة خارج أوقات الذروة في عام 2024 بنحو 35 بالمائة.

 

وتوقع الدكتور عكروت نموًا ملحوظًا في استهلاك الدراما عبر المنصات بنسبة 40 بالمائة بحلول عام 2027.

 

وعلى الرغم من هذا الطلب المتزايد، لفت الدكتور عكروت إلى ضعف إنتاج المنصات العربية مقارنة بالطلب، مسجلًا فجوة بنسبة 60 بالمائة، مما يفتح الباب أمام المحتوى الأجنبي لملء هذا الفراغ.

 

لتحويل هذه التحديات إلى فرص، قدم الدكتور عكروت توصيات تقنية عملية:

 

- دعا إلى إنشاء منصة عربية رقمية موحدة تخضع لإطار قانوني وتنظيمي واضح، لضمان استدامتها وجودتها.

 

- اقترح تخصيص ميزانية أولية بقيمة 20 مليون دولار لهذه المنصة، لتمكينها من الإنتاج والتطوير.

 

- أكد على ضرورة اعتماد خوارزميات عرض تستند إلى البيانات السلوكية للمشاهدين، لتقديم محتوى يلبي اهتماماتهم المتغيرة.

 

- شدد على أهمية دعم محتوى مخصص للمنصات، لا مجرد إعادة بث تلفزيوني، لضمان أن يكون المحتوى مصممًا خصيصًا لبيئة المشاهدة الرقمية.

 

 

 

الذكاء الاصطناعي في الدراما: بين التهديد والتمكين

 

 

لم تقتصر الندوة على واقع الصناعة والمنصات، بل تعمقت في استشراف المستقبل من خلال مناقشة دور الذكاء الاصطناعي في صناعة الدراما.

 

 

قدمت الدكتورة نسرين عبد العزيز، خبيرة تكنولوجيا الوسائط، مداخلة سلطت فيها الضوء على كيفية دخول الذكاء الاصطناعي في مختلف مراحل الإنتاج الدرامي.

 

أشارت الدكتورة نسرين إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت تُستخدم بالفعل في إنتاجات عربية، مثل تقنية De-aging التي استخدمت في مسلسلات كـ "جعفر العمدة" لتجديد أعمار الممثلين، مما يضيف واقعية للمشاهد التي تتطلب العودة بالزمن.

 

كما تطرقت إلى استخدام ChatGPT في توليد النصوص الأولية والحوارات التجريبية، مما يساعد كتاب السيناريو في مرحلة العصف الذهني. 

وأكدت على إدراج ممثلين افتراضيين في مشاهد تتطلب تقنيات خاصة أو تمثيل تاريخي، مما يوفر تكاليف الإنتاج ويتجاوز القيود البشرية.

 

ولكن، على الرغم من الإمكانات الواعدة، طرحت الدكتورة نسرين تحديات حقيقية يفرضها الذكاء الاصطناعي. 

 

من أبرز هذه التحديات حقوق الممثلين بعد الوفاة، حيث تثير إمكانية استخدام صورهم وأصواتهم الرقمية أسئلة قانونية وأخلاقية معقدة. 

 

كما أبدت قلقًا بشأن فقدان "اللمسة الإبداعية البشرية"، التي تُعد جوهر العمل الفني الدرامي. 

 

وأشارت إلى ضعف البنية القانونية والتشريعية لمثل هذه التطبيقات في المنطقة العربية، مما يستدعي تدخلًا سريعًا لتقنين استخدامات الذكاء الاصطناعي.

 

 

لمواجهة هذه التحديات، قدمت الدكتورة نسرين مقترحات عملية تهدف إلى تحقيق التكامل بين الذكاء الاصطناعي والإبداع البشري. دعت إلى وضع ميثاق عربي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإنتاج الدرامي، يضمن حماية الحقوق ويضع إطارًا أخلاقيًا. 

 

وأوصت بدمج مقررات الذكاء الاصطناعي في كليات الإعلام والسينما، لتأهيل جيل جديد من صناع الدراما على فهم وتطبيق هذه التقنيات. 

 

كما اقترحت إنشاء مختبرات تكنولوجية إبداعية ضمن مؤسسات الإنتاج العمومي والخاص، لتكون حاضنة للابتكار والتطوير في هذا المجال.

 

 

التوصيات الختامية للندوة

 

 

اختتمت الندوة بمجموعة من التوصيات الاستراتيجية التي تهدف إلى وضع خارطة طريق للدراما العربية نحو العالمية:

 

 

- تطوير منصة عربية موحدة للدراما، تتضمن خيارات دبلجة متعددة وتستهدف التوزيع العالمي.

 

 

- إحداث صندوق ترجمة ودبلجة بقيمة سنوية لا تقل عن 20 مليون دولار، لضمان جودة المحتوى المترجم والمدبلج.

 

- إدراج برامج دراسية جامعية متخصصة في الذكاء الاصطناعي وصناعة المحتوى الرقمي ضمن المناهج الأكاديمية.

 

 

- تنظيم منتدى سنوي عربي دولي يجمع صناع الدراما مع منصات التوزيع العالمية، لتبادل الخبرات وعقد الشراكات.

 

 

- دعم إنتاج نماذج درامية تجريبية بالشراكة مع مؤسسات آسيوية وأوروبية، للاستفادة من تجارب الدول الرائدة في التدويل.

 

 

سؤال للبحث والسياسات المستقبلية

 

 

هل تملك السياسات الثقافية العربية الجرأة الكافية لتخليص الدراما من أسر المحلية؟

 

وهل يمكن، خلال عقد من الزمن رؤية مسلسل عربي يحقق نسب مشاهدة عالمية تتجاوز مليون مشاهد يوميًا خارج العالم العربي؟

 

 

الجواب سيكون بمدى جدية تضافر الجهود والإرادة  لتحويل الدراما العربية من مجرد أعمال محلية إلى قوة ناعمة مؤثرة على الساحة العالمية.

 

 

 

ملاحظة : تم تحرير هذا المقال التفصيلي بالاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي في نقل كل محتوى الندوة مع ضمان المراجعة البشرية في كل ما كتب.

 

ضياء الدين الكريفي.


 

شارك:

إشترك الأن

يحدث في تونس
AUTOUR DE MIDI
إذاعة الشباب
أضواء
التربية السليمة
الدار داركم
زوم على الأحداث
علاش و كيفاش
الدنيا غناية
شاش و نواش
يحدث في تونس

يحدث في تونس

12:00 - 14:00

ON AIR
يحدث في تونس
AUTOUR DE MIDI
إذاعة الشباب
أضواء
التربية السليمة
الدار داركم
زوم على الأحداث
علاش و كيفاش
الدنيا غناية
شاش و نواش