ما بين ألسنة النيران ومبادرات التشجير : إعادة الحياة للغابات المحترقة ما تزال ممكنة

"عندما أشاهد أشجار الغابة وهي مشتعلة بنيران الحريق، يتولد لدي احساس بان منزلي هو الذي بصدد الاشتعال وانني لأحزن أشد الحزن عند رؤية الغابة وقد فقدت لونها الاخضر" هكذا رد كمال السحباني، أحد سكان غابة سيدي مشرق بولاية بنزرت عند سؤاله عن تأثير حرائق الغابات على حياته اليومية.
وتعتبر الغابة مورد رزق عائلة السحباني الوحيد التي يعمل أغلب أفرادها في تربية الأغنام والنحل. 
وتعرضت غابة سيدي مشرق إلى عدة حرائق في السنوات الأخيرة وكان أخطرها في سنة 2017 .
وفي سنة 2021 خسرت تونس 28493 هكتارا من أراضيها الغابية والرعوية بسبب اندلاع 457 حريقا غابيا ، وهي أكبر خسارة من حيث المساحة خلال العشرية الممتدة ما بين سنتي 2013 و 2022 ، وفق احصائيات نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي.
في حين كانت سنة  2018 اقل سنة تعرضت فيها الغابات للحرائق وفق مؤشر المساحة، اذ لم تتجاوز المساحة المحروقة 962 هكتارا.
وحسب البيانات المفتوحة لنظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي فإن المعدل السنوي للمساحة الغابية المحروقة ما بين سنتي 2013 و 2022 يبلغ 10892.8 هكتارا.

تونس تسجل في سنة 2021 أكبر خسارة لها من المساحات الغابية 
المصدر: نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي
 

وجرت العادة ان تبرمج الإدارة العامة للغابات التابعة لوزارة الفلاحة كل سنة حملات تشجير بالتزامن مع الاحتفال بعيد الشجرة الموافق لثاني أحد من شهر نوفمبر.
وتظهر إحصائيات الإدارة العامة للغابات الخاصة بسنة 2021 ان اكثر ثلاث ولايات تضررا من حرائق الغابات وفق مؤشر المساحة المحروقة هي ولاية القصرين ب 14122.48 هكتارا محروقا تليها ولاية جندوبة ب 4057.919 هكتارا محروقا متبوعة بولاية الكاف ب 3142.32 هكتارا محروقا.

ولاية القصرين أكبر خاسر للمساحات الغابية بسبب الحرائق في سنة 2021.

 

 

وبلغ عدد حرائق الغابات المسجلة ما بين سنتي 2013 و 2022 3691 حريقا موزعة على مختلف ولايات الجمهورية، حسب أرقام الإدارة العامة للغابات. 
وحسب هذه الارقام، فإن المعدل السنوي لعدد الحرائق المسجل ما بين سنتي 2013 و 2022 يبلغ 369.1 حريقا.
وتعتبر سنة 2014 سنة كارثية على المساحات الغابية في تونس إذ شهدت 555 حريقا غابيا.
وفي سنة 2014 تبرز ولاية جندوبة كصاحبة أكبر عدد من الحرائق برقم يصل إلى 111 حريقا وتحل في المرتبة الثانية ولاية باجة ب 72 حريقا ونجد في المرتبة الثالثة ولاية زغوان ب 55 حريقا.

ولاية قفصة تسجل أكبر عدد من الحرائق  في سنة 2014.

 

وتعود 90 بالمائة من أسباب اندلاع حرائق الغابات إلى عوامل بشرية في حين تمثل العوامل الطبيعية 10 بالمائة، وفق خبير الغابات ورئيس الجمعية التونسية لفنيي الغابات عز الدين المرزوقي.
ويشير المرزوقي إلى ان مجمل العوامل البشرية تنبني على اللامبالاة والإهمال كإلقاء أعقاب السجائر أو تغافل هواة التجوال عن إطفاء نار المخيم.
ويؤكد رئيس الجمعية التونسية لفنيي الغابات وجود مؤشرات تدل على ان عددا من حرائق الغابات تم افتعالها خاصة عندما تندلع النيران في ساعات متأخرة من الليل.
وبخصوص مدى مساهمة موجة الجفاف والاحتباس الحراري التي تعيشها بلادنا في السنوات الأخيرة في ازدياد عدد الحرائق، يوضح خبير الغابات ان الجفاف يساعد في انتشار النيران خاصة وان اغلب المساحات الغابية في بلادنا تتكون من نباتات وأشجار صمغية سريعة الاشتعال.
وينوه رئيس الجمعية التونسية لفنيي الغابات بدور المجتمع المدني في مساندة مجهودات السلطات في مكافحة حرائق الغابات على غرار ما تقوم به الجمعية من حملات توعوية تمس متساكني الغابات وتلاميذ المدارس ومراكز التكوين عبر تنظيم قوافل في الغرض وتوزيع المطويات التحسيسية على مستعملي الطرقات، إضافة إلى تركيز خيام توعوية وتنظيم المعارض والعمليات البيضاء بمساعدة الهياكل المعنية.

 


حملات التشجير الغابي والرعوي

ولمواجهة الآثار المدمرة لحرائق الغابات، عملت السلطات والهياكل المعنية على برمجة عدة حملات للتشجير الغابي والرعوي موزعة على جميع الولايات. ونفذت الهياكل المعنية في سنوات 2015 و 2014 و 2016 أكبر البرامج التشجيرية، وفق مؤشر المساحة.
وتمثل سنة 2015 سنة استثنائية على صعيد حملات التشجير الغابي والرعوي خلال العشرية الممتدة ما بين 2013 و2022 ، اذ بلغت المساحات المشجرة 5766 هكتارا في مختلف ولايات الجمهورية، وفق بيانات الإدارة العامة للغابات.
وفي سنة 2014 أثمرت مجهودات التشجير الغابي والرعوي عن إعادة اللون الاخضر لحوالي 5520 هكتارا، أما سنة 2016 فقد استرجعت تونس في نهايتها اراض غابية تقدر ب 4787 هكتارا بفضل حملات التشجير.

مساحة التشجير الغابي والرعوي بالهكتار ما بين سنتي 2013 و2022.
المصدر : الإدارة العامة للغابات
 

وتفيد الإحصائيات الخاصة بسنة 2015 بأن الولايات الثلاث الأكثر استفادة من حملات التشجير هي ولاية سليانة التي استرجعت في تلك السنة 1452.5 هكتارا من المساحات الغابية والرعوية ، تليها ولاية الكاف التي استرجعت 494 هكتارا في حين احتلت ولاية بن عروس المرتبة الثالثة ب 422 هكتارا.
 

المساحة المعاد تشجيرها حسب الولايات في سنة 2015
المصدر: الإدارة العامة للغابات

 

وبلغ إجمالي المساحة الغابية والرعوية المعاد تشجيرها ما بين سنتي 2013 و 2022 على كامل تراب الجمهورية التونسية 39437 هكتارا، في حين وصل حجم المساحات الغابية المحترقة في الفترة نفسها إلى 108928 هكتارا. 

تطور حجم المساحة الغابية المحروقة بالتوازي مع حجم المساحات المعاد تشجيرها ما بين 2013 و 2022.
المصدر : الإدارة العامة للغابات ونظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي
 

من جانبه، يشدد الخبير الغابي ورئيس الجمعية التونسية لفنيي الغابات عز الدين  المرزوقي على أهمية الدور البيئي والاجتماعي والاقتصادي للغابات التي تبلغ مساحتها الجملية حوالي مليون هكتار ويقطنها حوالي مليون نسمة. 
وتمتص الغابات كميات هامة من غاز ثاني اكسيد الكربون وتنتج الاكسجين وتحمي التربة من الانجراف والفيضانات وتتضمن ثروة حيوانية ونباتية كبيرة. كما تعتبر مصدر رزق لغالبية العائلات التي تقطن في محيطها من خلال ممارسة نشاطات اقتصادية كتربية النحل والمواشي وبيع المنتوجات الغابية على غرار الأخشاب والحشائش والثمار، إضافة إلى السياحة الايكولوجية.
وفي حال نشب حريق غابي فإن هذه العائلات قد تخسر جزء كبيرا من مورد رزقها. 
 وفيما يتعلق بعملية إعادة تشجير المساحات المحروقة، يفيد المرزوقي بأن الهياكل المعنية تبرمج حملة التشجير في العادة بعد حوالي ثلاث سنوات من تاريخ الحريق لتعطي فرصة للغابة المتضررة لتتجدد بصورة طبيعية.
وحسب رئيس الجمعية التونسية لفنيي الغابات، فإن استعادة الغابة المتضررة من الحريق لحالتها الأصلية تتطلب ما بين 30 و 70 سنة، وتبلغ تكلفة تشجير هكتار واحد من الغابات آلاف الدنانير، وفق تقديره.


 

 

من جهتهم، يتفق عدد من متساكني الغابات في شهاداتهم ، على ان الغابة هي مصدر الرزق الوحيد للعائلات القاطنة فيها وفي محيطها.
ويرى متساكنو الغابة أنهم خط الدفاع الأول عن الغابة عند اشتعال النيران في أشجارها التي يرجعون أغلب أسباب اندلاعها إلى عوامل طبيعية كارتفاع درجات الحرارة أو عوامل بشرية نابعة عن الإهمال كإلقاء أعقاب السجائر.
ويؤكد عادل مفتاح القاطن بغابة الفحص من ولاية زغوان، ان أفراد عائلته متمسكة بالعيش في الغابة رغم الظروف الصعبة والأضرار التي تسببت فيها الحرائق.
في حين يقول علي المستوري القاطن بغابة بليف من ولاية باجة ان الجيل الجديد من أبناء متساكني الغابات لديه عزوف عن العيش في الغابة نظرا للصعوبات التي يواجهونها في حياتهم اليومية خاصة في ظل التغيرات المناخية.


 
أحمد الوسلاتي
شارك:

إشترك الأن

تونس

24° - 34°
الاثنين33°
الثلاثاء38°
الأربعاء42°
الخميس35°
الجمعة32°
السبت32°
استوديو الويكاند
PROGRAMME ITALIEN
ديما sport
الفنون الوجيزة
برد القايلة
فسحة الأصيل
استوديو الويكاند

استوديو الويكاند

13:00 - 16:00

ON AIR
استوديو الويكاند
PROGRAMME ITALIEN
ديما sport
الفنون الوجيزة
برد القايلة
فسحة الأصيل